صوت العقل في زمن الفوضى
بقلم: أحمد مختار
في عالم يموج بالصراعات، ويضج بالأصوات العالية التي لا تسمع إلا نفسها، تبقى مصر هي الصوت الهادئ الذي ينادي بالعقل قبل العاطفة، وبالسلام قبل السلاح. حين تحدث الرئيس عبد الفتاح السيسي عن السياسة الخارجية خلال كلمته في احتفال أكاديمية الشرطة، كان كمن يضع خريطة اتزان وسط عالم مضطرب، مؤكداً أن مصر تسير بثبات على نهج لا يتغير: دعم السلام، وصون الاستقرار، والدفاع عن الحق دون مغامرة أو انفعال.
منذ عقود طويلة، ومصر تتعامل مع الأزمات الإقليمية والدولية بميزان دقيق. لا تندفع وراء العناوين، ولا تنجر وراء العواطف، بل تزن المواقف بميزان الدولة التي تعرف ثمن الكلمة ومسؤولية القرار. وفي كلمته الأخيرة، جدد الرئيس هذا النهج عندما أكد أن مصر ستظل تعمل من أجل وقف نزيف الدم وتحقيق حل عادل للقضية الفلسطينية، لأن السلام ليس ضعفاً، بل حكمة تملكها الشعوب التي عانت من الحروب.
قال الرئيس بوضوح إن “السلام هو أقصر طريق للتقدم الحقيقي”، وهي عبارة تختصر فلسفة كاملة في إدارة السياسة والعلاقات. فالدولة التي تنفق مواردها على البناء والتعليم والوعي، لا يمكن أن تفرط في استقرارها لتكسب معركة إعلامية أو انتصاراً مؤقتاً على صفحات الأخبار.
صوت العقل الذي تتحدث به مصر اليوم هو ما يجعلها محط ثقة العالم، فبينما تتغير التحالفات وتنهار المواقف في دول كثيرة، تبقى مصر ثابتة على مبادئها، لا تفرط في سيادتها ولا تساوم على قيمها. وهذا الثبات ليس جموداً، بل توازن بين ما هو وطني وما هو إنساني، بين ما تفرضه الجغرافيا وما يوجبه الضمير.
القضية الفلسطينية كانت وما زالت في قلب السياسة المصرية، ليس لأنها مجرد ملف سياسي، بل لأنها قضية إنسانية تمس وجدان الأمة. ومصر، التي دفعت من دم أبنائها ثمن استقرار المنطقة، لا يمكن أن تغلق بابها أمام السلام أو تصمت أمام الظلم. هي لا ترفع الشعارات، بل تترجمها إلى أفعال دبلوماسية وجهود حقيقية على الأرض.
وحين يتحدث الرئيس عن دور مصر في العالم، فهو لا يضعها في موقع المتفرج ولا في موقع المتحدي، بل في موقع الوسيط العاقل، الذي يحاول أن يخفف التوتر ويحفظ التوازن. وهذا الدور هو ما منح لمصر احترامًا استثنائيًا، لأنها لا تبحث عن نفوذ، بل عن استقرار يعود بالنفع على الجميع.
في زمن الفوضى، حين تتسابق الدول نحو المصالح الضيقة وتشتعل النزاعات على الحدود والموارد، اختارت مصر طريقًا مختلفًا، طريق الحكمة. طريق من يعرف أن القوة الحقيقية ليست في رفع السلاح، بل في القدرة على منعه. ليست في الصراخ، بل في الصبر. ليست في كسب معركة صغيرة، بل في حماية مستقبل وطن كامل.
صوت العقل الذي تتحدث به مصر اليوم هو ما يجعلها ميزان المنطقة، وصمام أمانها. فحين تهدأ العواصف، وتعود الأمم لتراجع مواقفها، سيبقى التاريخ شاهدًا أن مصر لم تساوم على مبادئها، ولم تفرط في إنسانيتها.
وفي نهاية المشهد، يبقى الأجمل أن هذا الصوت الهادئ ما زال يُسمع في عالم يضج بالضوضاء. صوت يذكّرنا أن السلام ليس خيار الضعفاء، بل شجاعة الأقوياء الذين يؤمنون أن التقدم لا يولد من الحرب، بل من الوعي والبناء.
