Nepras ELSalam News

المعايشة الوطنية.. جسر الوعي الجديد

15

المعايشة الوطنية.. جسر الوعي الجديد

 

بقلم: أحمد مختار

 

في زمن تتسارع فيه الأحداث وتتداخل فيه المفاهيم، يصبح بناء الوعي أهم من أي مشروع آخر. فالدولة لا تقوم فقط على البنية التحتية والطرق، بل على عقول تعرف الطريق وتؤمن به. من هنا جاءت مبادرة الرئيس عبد الفتاح السيسي الجديدة التي أعلنها خلال احتفال أكاديمية الشرطة تحت عنوان “المعايشة الوطنية”، لتفتح بابًا مختلفًا نحو بناء وعي وطني متكامل بين شباب مصر.

فكرة المبادرة بسيطة في ظاهرها، لكنها عميقة في أثرها. أن يعيش طلاب الجامعات والمعاهد فترة مع طلاب أكاديمية الشرطة في بيئة واحدة، يتبادلون فيها التجارب، ويتعرف كل طرف على الآخر من قرب. الهدف ليس تدريبًا أمنيًا ولا نشاطًا ترفيهيًا، بل بناء جسور من الفهم والانتماء بين أبناء الوطن الواحد.

الشباب هم أكثر فئة تحتاج اليوم إلى مساحات حقيقية للتلاقي، بعيدًا عن الصور المسبقة والانطباعات الجاهزة. فكم من سوء فهم نشأ فقط لأننا لم نرَ بعضنا كما نحن! المعايشة الوطنية ليست مجرد فكرة للتقريب بين الطلاب، بل مشروع لإعادة تشكيل وعي جيل كامل، جيل يتعلم أن الانتماء لا يُختصر في زيّ أو كلية أو تخصص، بل في حب الأرض التي تجمعنا.

حين يعيش طالب الجامعة يومًا داخل أسوار الأكاديمية، سيرى بعينيه ما لم يكن يراه من بعيد. سيرى الجهد والانضباط، وسيفهم أن الأمن ليس صلابة فقط بل مسؤولية ثقيلة. وفي المقابل، حين يشارك طالب الشرطة مع طلاب الجامعة، سيتعرف على طموحات الشباب وأفكارهم وإبداعاتهم، وسيدرك أن بناء الوطن لا يقوم على الانضباط وحده بل أيضًا على الفكر والبحث والعلم.

هذه الفكرة تحمل في داخلها روح مصر الجديدة، التي لا تفرق بين أبناءها، بل تسعى لتوحيدهم تحت راية واحدة: راية الوعي الوطني. فكلما اقترب الشباب من بعضهم، ذابت الفوارق وظهرت الحقيقة، وهي أننا جميعًا شركاء في حلم واحد، وجزء من وطن واحد، مهما اختلفت مواقعنا أو أدوارنا.

المعايشة الوطنية ليست مجرد برنامج، إنها تربية جديدة للانتماء. تعلّم الشباب أن الدفاع عن الوطن لا يكون فقط بالسلاح، بل أيضًا بالفكر، وأن احترام رجل الشرطة لا يأتي من الخوف، بل من الفهم. وأن الزي العسكري والزي الجامعي وجهان لمعنى واحد: خدمة الوطن.

ما يحتاجه الجيل القادم ليس المزيد من المحاضرات النظرية، بل من التجارب الواقعية التي تزرع فيهم الثقة ببعضهم وبوطنهم. وهذه المبادرة، إن طُبقت بروحها الحقيقية، ستكون بداية حقيقية لبناء وعي جديد يليق بجمهورية تؤمن بالشباب كطاقة لا تُهدر.

في النهاية، ليست المعايشة الوطنية مجرد لقاء بين طلاب، بل لقاء بين المستقبل والحاضر. بين من يخططون للغد في المعامل والمدرجات، ومن يحرسونه في الميادين والحدود. فإذا نجحنا في أن نزرع بينهم الثقة والتعاون، نكون قد وضعنا أول حجر في طريق وطن أقوى ووعي لا يتجزأ.

المعايشة الوطنية.. جسر الوعي الجديد

Leave A Reply

Your email address will not be published.