أصل الداء.. وجذور الثورة
بقلم لواء أح دكتور: أحمد عبد البر
محاضر بالأكاديميه العسكريه للدراسات العليا والإستراتيجيه
أصل الداء.. وجذور الثورة
ليست المعركة محصورة في صراع أجيال أو إنحراف شباب، بل هى معركة بين ثورتين، ثورة يوليو المجيدة التى أرست قيم التحرر والكرامة، وثورة الزيف التى أفرزت جيل مشوه ينتمي للعبث لا للوطن، لقد خرج هذا الجيل الضال من رحم خمسين عام من التآكل الأخلاقى والفكرى، تماماً كما خرجت ثورة الضباط الأحرار من رحم أربعين عام من الإحتلال والإستغلال.
أين نحن الآن من ثورة حررت الأرض والعقل معاً؟ ثورة جعلت المصنع والجامعة وقصور الثقافة فى متناول الفلاح قبل الأمير؟ لقد حاربت يوليو الإستعمار بسلاحين، البندقية والكتاب، بينما ثورة الزيف حاربتنا بسلاحين أخطر: هما التجهيل والتضليل، لقد سيطرت طبقة طفيلية على منابر الإعلام لتقوم بنفس دور المرابين والصهاينة فى عهد الإحتلال، لكن بأساليب أكثر خبثاً.
أصبحنا أمام مفارقة تاريخية قاسية؛ ثورة كانت تبنى المصانع وتعلم الفلاحين القراءة، بينما ثورات اليوم تهدم العقول وتُعلم الشباب التهريج، ثورة كانت ترفع شعار الكفاح والبناء، بينما الثورات الجديدة ترفع شعار الإستهلاك والتداعى، ثورة أرادت أن تكون مصر قلعة للتصنيع والعلم، بينما الثورات المزيفة تريدها سوق للتبعية والإستهلاك.
لقد حاربت القوى الإستعمارية يوليو بشراسة لأنها رأت فيها نذير زوال نفوذها، أما اليوم فيحاربونها بالتشويه لأنهم يخشون أن تستيقظ الأجيال على مثال التمرد الأصيل. إنهم يريدوننا أن ننسى أن هذه الثورة كانت ملحمة شعب أعاد صنع نفسه من العدم، وأن نصدق أن الاحتلال كان جميلاً!
اللهم أحفظ مصر من كل من أراد بها شراً، وأجعلنا أهلاً لإرث الثورة الحقيقية التى صنعت رجالاً لا مسوخ، وبنت وطناً لا سوق، اللهم ردنا إلى جذورنا الكريمة كما أرادها لنا أبطال يوليو، ولا تجعلنا فريسة لأكذوبة أن الحرية بلا كرامة.