العنف القائم على النوع مقاربة علمية تحليلية

العنف القائم على النوع: مقاربة علمية تحليلية

كتبت:  د.نشوة الكبير

يُعدّ العنف القائم على النوع “الجندر” (GBV) أحد أخطر التحديات الاجتماعية والصحية والنفسية المعاصرة، إذ يعكس أنماطًا من عدم المساواة الهيكلية بين الجنسين تتجاوز الحدود الثقافية والجغرافية. يرتبط GBV بأنماط السلطة، والتمييز، والصور النمطية الاجتماعية، ويؤثر على الصحة الجسدية والنفسية والاقتصادية للضحايا، مما يجعله قضية حقوق إنسانية وتنموية عالمية.

العنف القائم على الجندر هو أي فعل عنيف موجه ضد شخص بسبب نوعه الاجتماعي أو هويته الجندرية، ويؤدي إلى أضرار جسدية أو نفسية أو اقتصادية أو اجتماعية. ورغم أنّ النساء والفتيات يمثلن النسبة الأكبر من الضحايا، فإن هذا العنف يمكن أن يطال جميع الفئات الجندرية، بما في ذلك الرجال والأشخاص من مجتمعات الميم. تعدد أشكاله، مثل العنف المنزلي، والعنف الجنسي، والتحرش، والزواج القسري، والختان، يعكس تجذر العنف في البنى الاجتماعية والثقافية والسياسية.

تشير النظريات النسوية ونظريات السلطة الاجتماعية إلى أنّ: (GBV) ليس مجرد سلوك فردي منحرف، بل هو نتاج بنى اجتماعية أبوية ترسّخ الفوارق في السلطة والفرص بين الجنسين. وتبرز مقاربات الصحة العامة أن هذا العنف يمثل أزمة صحية عالمية تؤثر على التنمية المستدامة، إذ تقدر منظمة الصحة العالمية أنّ واحدة من كل ثلاث نساء تتعرض لشكل من أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي خلال حياتها (WHO, 2021).
الآثار النفسية والاجتماعية:
يتسبب GBV في اضطرابات نفسية مثل الاكتئاب، واضطراب الكرب ما بعد الصدمة (PTSD)، واضطرابات القلق، إضافة إلى عزلة اجتماعية وصعوبات اقتصادية. وتؤكد الدراسات أن التعرض للعنف يزيد من مخاطر الإصابة بالأمراض المزمنة، ويضعف الثقة بالنفس والعلاقات الاجتماعية، مما يُعزز حلقة الفقر والعنف عبر الأجيال.
استراتيجيات المواجهة
توصي الأبحاث بتبني استراتيجيات متعددة المستويات:
1. مستوى السياسات العامة: سنّ تشريعات تحمي من العنف وتعاقب مرتكبيه مع ضمان آليات تطبيق فعّالة.
2. المستوى المجتمعي: حملات توعية شاملة لتغيير المعتقدات الثقافية المعيقة وتعزيز ثقافة المساواة.
3. المستوى الفردي والعلاجي: توفير خدمات دعم نفسي وطبي وقانوني للضحايا، إضافة إلى برامج إعادة تأهيل الجناة.
4. المستوى الأكاديمي والبحثي: تكثيف الدراسات حول الديناميكيات الثقافية للعنف وأثر التدخلات الوقائية.
وأخيرا، إن العنف القائم على الجندر ليس ظاهرة فردية بل بنية اجتماعية تتطلب مواجهة جذرية وشاملة. إنّ دمج الجهود التشريعية، والتعليمية، والصحية، والبحثية يمثل السبيل الأمثل للحد من الظاهرة وتحقيق العدالة الجندرية.
المصادر:
World Health Organization (2021). Violence against women prevalence estimates, 2018. Geneva: WHO.

United Nations (2022). Gender-based violence: Global report. UN Women.
د. نشوة سمير الكبير
القاهرة، سبتمبر 2025