المولد النبوي الشريف.. عليه ما عليه وله ما له
بقلم: أحمد مختار
تطل علينا ذكرى المولد النبوي الشريف في الثاني عشر من ربيع الأول من كل عام، فنهنئ الأمة الإسلامية جمعاء بهذه المناسبة العطرة، سائلين الله أن يجعلها أيام خير وبركة ورحمة على المسلمين في كل مكان. فهي ذكرى ميلاد خير البرية وسيد البشرية محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، الذي بعثه الله رحمة للعالمين وهداية للناس أجمعين.
يمر بنا كل عام الثاني عشر من ربيع الأول، فتعود الذكرى العطرة لمولد سيد ولد آدم، وخاتم النبيين والمرسلين، محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم. ذكرى تختلط فيها مشاعر الشوق بالجدل، وتتنوع فيها المواقف بين مؤيد يرى أن فيها فرصة لتجديد العهد بالرسول الكريم، ومعارض يعتبرها بدعة لا أصل لها في الدين. وبين هؤلاء وهؤلاء يقف المنصف متأملا: ما الذي لهذه المناسبة من فضائل؟ وما الذي عليها من مؤاخذات؟
اولا: ما عليه…
من أبرز ما يقال في الجانب المأخوذ على المولد أنه لم يعرف في القرون الأولى المفضلة، تلك القرون التي وصفها النبي صلى الله عليه وسلم بالخيرية: “خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم”. لم يعرف عن الصحابة ولا عن التابعين ولا عن أئمة السلف أنهم خصصوا يوما للاحتفال بمولده الشريف، مع أنهم أشد الناس حبا له وتعظيما لشأنه.
ثم إن بعض صور الاحتفال بالمولد في عصور لاحقة حملت معها مظاهر من الغلو والممارسات التي لا تمت إلى جوهر الدين بصلة. من ذلك ما يقع أحيانا من المبالغات في المدائح حتى تصل إلى ما يشبه الغلو المذموم، أو تحويل المناسبة إلى مظهر شكلي فيه من اللهو والبدع أكثر مما فيه من الذكر والاتباع. ولذلك وجدنا كثيرا من العلماء يحذرون من هذه المظاهر، خشية أن يتحول حب النبي إلى شعارات تغطي على حقيقة اتباعه.
ثانيا: ما له…
لكن في المقابل، فإن الإنصاف يقتضي أن نذكر ما للمولد من جوانب إيجابية لا يمكن إغفالها. فالمولد مناسبة تذكر الأمة بسيرة نبيها وسنته، وتجمع القلوب على محبته. الاجتماع على قراءة القرآن، أو ذكر الشمائل المحمدية، أو استحضار الدروس المستفادة من السيرة النبوية، كل ذلك مما يدخل في أبواب الخير إذا خلت المجالس من المنكرات.
لقد قال بعض العلماء: “ما اجتمع قوم على خير يذكرون فيه النبي صلى الله عليه وسلم إلا كان في ذلك بركة”. ومن هنا فإن المولد قد يكون فرصة سنوية لإحياء معاني الإيمان، وتذكير الناس بواجب الاقتداء بالرسول في أخلاقه ورسالته، لا سيما في زمن كثرت فيه الانشغالات المادية وضعفت فيه الروابط الروحية.
بين العاطفة والاتباع
الجدل حول المولد ليس في أصل محبة النبي، فحبه فرض من فروض الدين لا يصح إيمان العبد بدونه، وإنما الخلاف في التعبير عن هذا الحب. فالبعض يكتفي بالاتباع الجاف دون أن يترجم حبه إلى مشاعر ظاهرة، والبعض الآخر يرفع المحبة إلى مرتبة الغلو في المظاهر الاحتفالية دون التزام حقيقي بسنته.
والحق أن التوازن هو الطريق الأمثل: محبة صادقة تترجم إلى اتباع عملي، واتباع واع يظلله نور المحبة. حينها يصبح المولد مناسبة تجمع بين حرارة القلب ونور العقل، بين الذكرى العاطفية والدعوة العملية، فيكون فيها الخير بلا إفراط ولا تفريط.
خلاصة القول.
المولد النبوي الشريف مناسبة لها ما لها وعليها ما عليها. فيها الخير إذا استثمرت للتذكير بسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وتعظيم سنته، وفيها المآخذ إذا تحولت إلى بدع ومظاهر شكلية تبعد الناس عن جوهر الدين. تبقى الحقيقة الأهم أن حب النبي لا يختصر في يوم أو احتفال، بل يترجم في الحياة كلها: في الصدق، والأمانة، والرحمة، والعدل، والحرص على هداية الناس.
فلنستفد من هذه الذكرى العطرة بما يقربنا إلى الله، ويجعلنا أتباعا صادقين لسيد الخلق أجمعين. فاللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن تبع هداه بإحسان إلى يوم الدين.
وختاما، نرفع أسمى التهاني والتبريكات للأمة الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها بمناسبة المولد النبوي الشريف، سائلين المولى عز وجل أن يعيده علينا بالخير واليمن والبركات، وأن يجعلنا من المقتدين بنبيه قولا وعملا وسلوكا.