Nepras ELSalam News

ساركوبينيا.. حين يشيخ الجسد قبل الروح

24

ساركوبينيا.. حين يشيخ الجسد قبل الروح

 

بقلم: أحمد مختار

 

في زوايا العمر تختبئ بعض الظواهر التي لا نراها بوضوح لكنها تغيّر ملامح حياتنا دون أن ندرك. من بين هذه الظواهر ما يسميه العلماء “ساركوبينيا” أو فقدان الكتلة العضلية وضعفها مع مرور السنين. قد يظن البعض أن الأمر طبيعي وبسيط، لكنه في الحقيقة أشبه بجرس إنذار يعلن أن الجسد بدأ يضعف قبل أن تضعف الروح.

تبدأ ساركوبينيا عادة في العقد الرابع أو الخامس من العمر، حيث تفقد العضلات تدريجيا قوتها، ويقل تماسكها، فيصبح صعود السلم تحديا، وحمل الأغراض اليومية عبئا، حتى أن المشي لمسافة قصيرة قد يتحول إلى معركة صامتة بين الجسد والإرادة. وإذا أهملنا هذه الإشارات، يتحول الضعف إلى عجز، وتضيق مساحة الاستقلالية يوما بعد يوم.

لكن هل هي نهاية حتمية؟ الجواب: لا. فالعلم يؤكد أن مواجهة هذه الظاهرة ممكنة بل وفعالة. الرياضة المنتظمة، وبالأخص تمارين المقاومة، قادرة على إعادة الحيوية للعضلات مهما تقدم العمر. التغذية أيضا تلعب دورا رئيسيا، فالبروتين الكافي، وفيتامين د، والعناصر المعدنية، تشكل دعامة أساسية في معركة الحفاظ على القوة. وحتى نمط الحياة البسيط، كالمشي، وحمل الأوزان الخفيفة، والمداومة على الحركة، يشكل حصنا ضد الزحف الصامت للساركوبينيا.

إن خطورة هذه الظاهرة لا تكمن فقط في تأثيرها على الجسد، بل في انعكاساتها النفسية والاجتماعية. فالعجز عن الحركة يفتح أبوابا للوحدة، ويخلق شعورا بالهشاشة وفقدان الثقة بالنفس. وهنا تتحول القضية من مجرد مشكلة طبية إلى قضية إنسانية تمس كرامة الفرد وصورته أمام ذاته والآخرين.

إن الحديث عن ساركوبينيا ليس مجرد استعراض لمصطلح طبي، بل دعوة صريحة لإعادة النظر في علاقتنا بأجسادنا. الجسد أمانة، ومنحنا فرصة أن نصونه، ونمد في قدرته على العطاء. فالحياة ليست أنفاسا تتناقص، بل خطوات نستطيع أن نخطوها بثبات، حتى وإن عبرت السنوات.

ساركوبينيا تذكّرنا أن العمر ليس عدوا إذا عرفنا كيف نتعايش معه. وأن الشيخوخة ليست ضعفا إذا استعددنا لها بما يليق بالإنسان. هي درس يهمس في آذاننا: “لا تدع جسدك يشيخ قبل روحك”.

 

ساركوبينيا.. حين يشيخ الجسد قبل الروح

Leave A Reply

Your email address will not be published.