بين العناوين.. قراءة في ملامح المشهد الصحفي
بقلم: أحمد مختار
تبدو الصحف المصرية في هذه الأيام كمرآة صافية تعكس ملامح مجتمع يتحرك بين التحدي والرجاء. من يقرأ العناوين بتمعّن يدرك أن الصورة لم تعد كما كانت؛ هناك وعي جديد يتشكّل، وحرص واضح على أن تكون الكلمة أكثر اتزانًا من الانفعال.
في صفحات السياسة، تسود لغة الهدوء والتعقّل. لم تعد الخطابات الصاخبة هي البطل، بل حلت محلها لغة الإدارة والرسائل الموزونة. كأن الإعلام اختار أن يواكب نضج الشارع نفسه، وأن يتعامل مع الشأن العام بعينٍ تعرف أن الاستقرار لا يعني الجمود، وأن الهدوء أحيانًا أقوى من الضجيج.
أما في الاقتصاد، فالصورة تحمل جهدًا واضحًا رغم ما يحيطها من تعب. المقالات والتقارير تشير إلى حركة مستمرة لا تهدأ — مشروعات تُنفذ، وأرقام تُراجع، ومؤشرات تُعلن. لكنها في عمقها تعكس معادلة صعبة: كيف نحافظ على الثقة وسط التحديات؟ إنها لغة واقعية، لا تَعِد ببحر من الرفاهية، لكنها تُذكّر القارئ بأن المسيرة قائمة، وأن الإصلاح لا يولد من الكلام بل من الاستمرار.
الملف الأمني والخدمي يحتلان الحيز الأبرز، فهما الأكثر التصاقًا بحياة الناس اليومية. الصحف تُبرز صور المسؤولين في الميدان، وتقارير عن متابعة المشروعات وحملات الضبط والتنظيم. هذا التركيز يعكس فهمًا جديدًا لدور الإعلام في تهدئة المخاوف وخلق شعور بالاطمئنان العام.
وفي الزوايا الاجتماعية، نجد دفئًا خاصًا؛ حكايات عن مبادرات، وأعمال خير، وشباب يسعون للتغيير في صمت. هناك طاقة إنسانية تملأ تلك الصفحات، وكأن المجتمع رغم كل ما يواجهه، لا يزال يمتلك قلبًا نابضًا يعرف معنى المشاركة والعطاء.
أما الرياضة، فتبقى الملاذ الخفيف الذي يوازن المشهد. صفحاتها تنبض بالحماس، كأنها تقول للناس: “ما زال في الحياة ما يستحق الفرح”. بين التحليل والمنافسة والبطولات، يحتفظ القارئ بمساحة من البهجة وسط زحام الأخبار الجادة.
ومن بين كل هذه الأقسام، تخرج ملاحظة واضحة: الإعلام المصري اليوم يميل إلى تقديم صورة واقعية، هادئة، محسوبة. لم يعد الصدام هدفًا، ولا المبالغة وسيلة، بل أصبح الخطاب أقرب إلى محاولة بناء الثقة من جديد بين الورق والقارئ.
إنها صحف تحاول أن تتحدث بلسان الوطن لا بلسان التيار، أن تُطمئن أكثر مما تُثير، وأن تُضيء الطريق بدل أن تكتفي بوصف الظلام.
ولعل هذا هو التحول الأهم: أن تصبح الكلمة أداة توازن، لا مجرد صدى للحدث.
