Nepras ELSalam News

الخديعة الكبرى: خرافة “شعب الله المختار”

2

الخديعة الكبرى: خرافة “شعب الله المختار”

بقلم:  أحمد مختار

في عالم يموج بالصراعات وتتنازع فيه الشعوب على الأرض والهوية، يبرز صوت قديم يعيد نفسه كلما اشتعلت نار الحرب، صوت يدعي أن هناك شعبا اختاره الله دون سواه، ومنحه الحق في أن يقتل ويهدم ويستولي بدعوى أنه شعب الله المختار. هذا الادعاء لم يكن يوما حقيقة، بل هو أكبر كذبة عرفها التاريخ، وغطاء استخدم لتبرير الجرائم وشرعنة الإبادة وإخفاء الطمع السياسي تحت عباءة الدين.

لا يوجد في أي دين سماوي أو أرضي ما يسمح بقتل الأبرياء أو تدمير المدن أو تشريد البشر لأنهم ينتمون إلى قوم آخرين. فالله لم يخلق الإنسان ليبيده إنسان آخر باسمه، ولم يمنح أحدا صكا مقدسا فوق رقاب الآخرين. كل الديانات التي نزلت على الأرض دعت إلى الرحمة والعدل والمساواة، ولم تفرق بين البشر إلا بالتقوى والعمل الصالح. الاصطفاء في المفهوم الإلهي لا يعني احتكار النعمة أو التفويض بالقتل، بل يعني حمل الأمانة والالتزام بالحق ونشر الخير بين الناس.

من يتأمل في جوهر الرسالات السماوية يجد أن الغاية الكبرى منها هي حفظ الحياة، لا إزهاقها. كل نبي جاء برسالة تحث على الرحمة وتنهى عن الظلم، وكل كتاب سماوي دعا إلى الإحسان والعدل. ولو كان الله قد اختار قوما ليكونوا فوق الناس، لما أرسل إليهم أنبياء يوبخونهم ويذكرونهم بذنوبهم ويأمرونهم بالتوبة. فالاختيار في الكتب القديمة كان تكليفا لا تشريفا، مسؤولية لا امتيازا، لكن من أراد أن يحول الدين إلى سلاح، قلب المعنى وجعل التكليف تفوقا والرحمة رخصة للقتل.

إن الادعاء بأن الله سمح بالإبادة هو افتراء على الله نفسه، لأن الله لا يأمر بالفحشاء ولا بالعدوان. القتل باسم الله هو أبشع صور الكفر، لأن من يرتكبه يضع نفسه في موضع الإله فيقرر من يعيش ومن يموت. هؤلاء الذين يرفعون شعار الاختيار الإلهي إنما هم أبعد الناس عن جوهر الدين، فالله لا يميز بين عباده إلا بميزان واحد هو التقوى. من ظن أنه مفضل لمجرد نسبه أو قومه، فقد أنكر عدل الله.

وفي هذا السياق، جاءت قمة شرم الشيخ للسلام لتؤكد من جديد أن العالم بدأ يدرك خطورة هذه الخرافات التي تدعي التفوق الديني أو القومي. فقد اجتمع في شرم الشيخ قادة وزعماء من مختلف الدول، ليوجهوا رسالة واضحة بأن لا سلام يقوم على استعلاء، ولا أمن يبنى على دماء الأبرياء. ناقشت القمة سبل إنهاء الحروب، وحماية المدنيين، ووقف الانتهاكات التي تُرتكب تحت ذرائع دينية أو قومية زائفة. كانت القمة بمثابة شهادة إنسانية ضد كل فكر يحاول أن يجعل من الله ستارا لجرائمه.

لقد عكست كلمات الزعماء والمشاركين في القمة وعيا متزايدا بأن العالم لا يمكن أن يعيش في سلام ما دام هناك من يعتقد أنه فوق الآخرين باسم الله. وأثبتت القمة أن البشرية لم تعد تقبل بخرافة التفوق، وأن طريق السلام يبدأ من الاعتراف بالمساواة والعدالة للجميع.

العالم اليوم يدفع ثمن هذه الخرافة التي تسكن العقول منذ قرون، خرافة أن هناك شعبا فوق البشر، وأن الله يقف معه مهما فعل. الحقيقة أن الله لا يقف مع أحد لأنه ينتمي إلى دين أو قوم، بل يقف مع العدل حيثما كان، ومع المظلوم أيا كان اسمه أو موطنه. كل من يستخدم الدين لتبرير الدماء إنما يعبد نفسه لا ربه، ويعبد سلطته لا إيمانه.

لقد آن للعالم أن يتخلص من هذه الأسطورة التي زرعت الكراهية في النفوس، وأن يفهم أن الإيمان ليس بطاقة امتياز، بل طريق من الصدق والمحاسبة. الله لا يختار شعبا، بل يختار من بين عباده من يستحق برحمته وإيمانه. كل إنسان يمكن أن يكون مقبولا عند الله إن كان عادلا رحيما نزيها. أما من يبني مجده على دماء الأبرياء فليس من المختارين بل من الهالكين.

خرافة شعب الله المختار ليست مجرد كذبة دينية، بل مشروع سياسي يلبس ثوب القداسة ليخفي أطماعه، مشروع يقوم على فكرة أن الحق لا يقاس بالعدل بل بالقوة، وأن الدم مباح ما دام يخدم الرواية. لكن كل إمبراطورية قامت على الظلم سقطت، وكل من ظن أنه مخلد باسم الله انتهى إلى مزبلة التاريخ. لأن الله لا يبارك الظلم، ولا يمنح قداسة للقتلة، ولا يسكت عن دماء الأبرياء.

الدين الحق لا يعرف التمييز، ولا يسمح بأن يكون القتل وسيلة للبقاء، ولا يفرق بين طفل وآخر أو أم وأخرى. الله واحد والإنسانية واحدة، وكل من يزعم أنه فوق البشر باسم الله إنما يشوه صورة الإيمان ويجعل من الدين قناعا للوحشية.

من أراد أن يكون قريبا من الله فليكن رحيما بعباده، ومن أراد أن يكون مختارا فليختر طريق العدل والسلام. فالاختيار الحقيقي ليس نسبا ولا أرضا ولا لونا، بل هو اختيار القلب للخير، واختيار الضمير للحق. ومن فهم هذه الحقيقة أدرك أن لا أحد في هذا العالم يملك الحق في أن يقول إنه شعب الله المختار.

لقد أكدت مصر مرة أخرى، من خلال احتضانها قمة شرم الشيخ للسلام، أنها لا تدافع فقط عن أمنها الوطني، بل عن ضمير الإنسانية جمعاء. فمصر التي حملت على مر العصور رسالة التعايش والسلام، تواصل اليوم دورها كجسر يربط بين الشعوب، وصوت عقل يدعو إلى إنهاء الحروب، وإسكات أصوات الكراهية. إنها تقول للعالم إن السلام ليس شعارا يُرفع، بل مسؤولية تُمارس، وإنه لا مكان في هذا العالم لمن يتحدث باسم الله ليقتل، فالله لا يُعبد بالدماء، بل يُعبد بالرحمة والعدل.

 

الخديعة الكبرى: خرافة "شعب الله المختار"

Leave A Reply

Your email address will not be published.