Nepras ELSalam News

التكنولوجيا بين وهم القرب وواقع العزلة

9

التكنولوجيا بين وهم القرب وواقع العزلة

 

بقلم: إيمان باشا

 

في عالم اليوم، يكفي أن نفتح أعيننا صباحًا لنجد أنفسنا محاطين بالإشعارات، الرسائل، والتنبيهات القادمة من هواتفنا الذكية. نحن نعيش عصر “الاتصال الدائم”، حيث أصبحت إمكانية الوصول إلى الآخرين متاحة في كل لحظة، وأينما كنا. لكن هل هذا يعني أننا أصبحنا حقًا أكثر قربًا؟ أم أن هذه الشبكات الممتدة قد أنشأت جزرًا من العزلة خلف شاشات مضيئة؟
حين يصبح الاتصال عبئًا
الهواتف الذكية وتطبيقات التواصل جعلتنا في متناول بعضنا البعض على مدار الساعة. لم يعد هناك ما يسمى بـ”وقت الراحة”، ولا حتى “الخصوصية”. فالتواجد الدائم أضحى متطلبًا اجتماعيًا ومهنيًا، إلى حد أن الانفصال المؤقت يُفسَّر أحيانًا على أنه تجاهل أو تقصير.
ورغم الفوائد الواضحة لهذه الحالة — من سرعة التواصل، وسهولة العمل، وتبادل المعرفة — إلا أن للاتصال الدائم وجهًا آخر لا يقل أهمية: الضغط النفسي، والتشويش الذهني، والشعور بالاستنزاف.

هل قرّبتنا التكنولوجيا فعلاً؟
لا يمكن إنكار أن التكنولوجيا ساهمت في تقريب المسافات الجغرافية. بات بإمكان العائلات التواصل من قارات مختلفة وكأنهم في غرفة واحدة، ويمكن لرواد الأعمال أن يديروا شركاتهم عن بُعد. كما أتاحت الشبكات الاجتماعية فرصًا للتعبير والتفاعل والمشاركة لم تكن ممكنة قبل سنوات قليلة.

لكن يبقى السؤال العالق: هل هذا “القرب التقني” يعني بالضرورة تقاربًا إنسانيًا؟
في كثير من الأحيان، نجد أن العلاقات الرقمية تُخفي سطحية في المشاعر، وضعفًا في التفاعل الحقيقي، حتى بين أفراد الأسرة الواحدة.
عزلة خلف الشاشات
مفارقة العصر الرقمي أن الإنسان بات محاطًا بالاتصالات، لكنه أكثر شعورًا بالوحدة. كثيرون باتوا يعيشون حياة مزدوجة: ظاهرها التواصل، وجوهرها العزلة.
يقضون ساعات على الشبكات الاجتماعية، لكن دون حوار حقيقي. ينشرون اللحظات السعيدة، لكنهم يعيشون تحدياتهم بصمت.

كما أن الإدمان على هذه الأدوات يخلق حلقة مفرغة: كلما زاد استخدامنا لها، قلّت رغبتنا أو قدرتنا على التفاعل الواقعي. وهنا تتسلل العزلة في ثوب الحداثة.

نحو تواصل أكثر إنسانية
ليست المشكلة في التكنولوجيا ذاتها، بل في طريقة استخدامنا لها. فالتوازن هو المفتاح.
علينا أن نعيد النظر في علاقتنا بالشاشات، ونطرح على أنفسنا أسئلة جوهرية:
هل أستخدم هاتفي لأتواصل، أم لأهرب؟
هل أتفاعل مع من حولي بصدق، أم أكتفي بالإعجابات؟
هل أستطيع أن أكون “منفصلًا” لأستعيد تواصلي مع ذاتي؟
المطلوب ليس الانفصال عن التكنولوجيا، بل إعادة تعريف علاقتنا بها. أن نستخدمها لتعزيز الروابط، لا لاستبدالها. أن نحمي خصوصيتنا، ونحترم أوقاتنا، ونخلق مساحات حقيقية للقاء الإنساني.
الخلاصة
في زمن “الاتصال الدائم”، قد تكون أجرأ خطوة هي أن تفصل هاتفك لتتصل بذاتك. أن ترفع عينيك من الشاشة لتنظر في عيون من حولك. فالعالم الرقمي يمكن أن يكون أداة رائعة للتواصل، لكنه لا يجب أن يكون بديلًا عن العلاقة الحقيقية.
التكنولوجيا تُقربنا فقط إذا استخدمناها بوعي. أما إذا تركناها تقودنا، فقد نجد أنفسنا يومًا “متصلين” بالجميع.. ومنفصلين عن كل شيء.

 التكنولوجيا بين وهم القرب وواقع العزلة

Leave A Reply

Your email address will not be published.