Nepras ELSalam News

حظر المواقع الإباحية.. بين الواجب الأخلاقي والديني، والتحدي التقني”

بقلم: دكتورة/نشوة سمير الكبير

32

حظر المواقع الإباحية.. بين الواجب الأخلاقي والديني، والتحدي التقني”
كتبت د. نشوة سمير الكبير
استشاري علاج سلوكي وإرشاد أسري
مؤسس ومدير أكاديمية لست وحدك للاستشارات والدعم النفسي

لم يعد الاكتفاء بالمطالبة بحظر المواقع الإباحية كافيًا في ظل عالم رقمي مفتوح، بل أصبح التحدي الحقيقي هو: كيف نحوّل هذا الحظر من إجراء خارجي إلى قناعة داخلية تبُنى على
التربية والتوعية والتمكين الأخلاقي والمعرفي؟ وهنا تبرز أهمية المبادرات المجتمعية متعددة الأبعاد.. وسنتناول هذا الموضوع من خلال عدة محاور:
أو الً، مبادرة “إنترنت آمن” يمكن أن تستلهم من تجربة كوريا الجنوبية، التي شرعت منذ 2008 في توفير برامج رقابة أبوية مجانية على مستوى الدولة، مقرونة بورش تدريب رقمية للأسر حول إدارة استخدام الأطفال للإنترنت، مما أسهم في خفض نسب التعرض للمواد الإباحية بين اليافعين. المبادرة المصرية ينبغي أن تتبنى النموذج ذاته، عبر دعم فني دائم، وتعاون بين الجمعيات الأهلية وشركات الاتصالات، وتوفير تطبيقات صديقة للأسرة مدعومة بمحتوى إرشادي تربوي.
ثان ايا، البرامج الأزهرية التوعوية: فتظهر هنا أهمية المطالبة بإعادة تقديم الخطاب الديني بلغة
تربوية معاصرة تستند إلى علم النفس المعرفي والسلوكي، وتقُدمَّ من خلال منصات رقمية جذابة )يوتيوب، تيك توك، إنستجرام( بلغة شبابية ووسائط تفاعلي ة، كما يجب أن يُدمَج الخطاب الديني بقضايا الهوية، وضبط الشهوات، وقيمة “الحياء الرقمي”، بما يعزز المناعة النفسية والروحية والوعي الذاتي للفرد لا مجرد الخوف من العقوبة فقط.
كما يتعين أن تتبنى هذه المبادرات منهجية تقييم دورية )impact assessment( تعتمد على مؤشرات سلوكية )reduction in risky online behavior(، وتشُرك المتخصصين في التربية الرقمية والسلوك الإدماني.
إن المبادرات الناجحة لا تعزل الشباب عن الإنترنت، بل تعيد تشكيل وعيهم داخلهد؛ فيجب أن تتجاوز الإطار الوعظي التقليدي، وتستفيد من تجربة ماليزيا التي أطلقت منصات دينية شبابية بلغة تفاعلية، مستخدمة الدراما القصيرة والبودكاست والرسوم المتحركة التربوية، لتعزيز قيم الحياء والضبط الذاتي.
إن أزهرنا الشريف قادر – بما يملكه من مرجعية روحية وسطية – على تطوير خطاب ديني تربوي يستند إلى فقه النفس، ويعالج الدوافع بدلًا من الاكتفاء بتحذير من النتائج .
ثالثاا، لًبد من دمج جهود المجتمع المدني مع خطط الدولة التعليمية والتكنولوجية، من خلال تدريب المعلمين والمربين على التربية الجنسية الوقائية، وتضمين مفاهيم “السلام الرقمي” و”الكرامة الرقمية” في المناهج، وهو ما قامت به فنلندا ضمن برنامجها الوطني “الطفل الرقمي الواعي. ”
راب اعا، التقييم الرصين للمبادرات شرط للاستدامة، ويجب أن يستند إلى أدوات كمية وكيفية لقياس الأثر، مثل انخفاض وقت التعرض للمحتوى الضار، أو ازدياد معدلات التفاعل مع المحتوى القيمي.
خلاصة الرؤية: إن نجاح أي مبادرة مجتمعية في هذا المجال مرهون بتكامل أربعة عناصر:
الحماية التقنية، التربية الوقائية، الخطاب الديني المعاصر، والتقييم العلمي. حينها يصبح الحظر ليس فرضًا قهريًا، بل انعكاسًا لوعي داخلي مستنير ومحصّن..
حفظ الله مصر، وحفظ شبابها الواعد جيلًا بعد جيل.
د. نشوة سمير الكبير
القاهرة أغسطس ٢٠٢٥

Leave A Reply

Your email address will not be published.