Nepras ELSalam News

كلنا صح

35

كلنا صح

بقلم:  أحمد مختار

كلنا نولد على نفس الكوكب، نصرخ أول صرخة بالطريقة ذاتها، نُلفّ بالقماط ذاته، لكن بعد ذلك تبدأ الاختلافات. نكبر في بيئات مختلفة، في مجتمعات تتحدث لغات متعددة، وتتناول أطعمة متنوعة، وتفرح وتبكي لأسباب قد لا نفهمها بسهولة. ما يبدو لك غريبًا، قد يكون عند غيرك قمة المنطق، وما تعتبره أنت صحيحًا، ربما يراه الآخر خاطئًا أو لا معنى له. هذا لا يعني أن أحدكم على صواب والآخر على خطأ، بل يعني ببساطة أن لكل إنسان تجربته، ولكل شعب ذاكرته، ولكل ثقافة سياقها الممتد عبر الزمن.

 

ليس من المنصف أن نحاكم ثقافة أو تصرفات أو مشاعر أو حتى طريقة حياة الآخرين بمعاييرنا نحن، لأننا لم نعش ما عاشوه. لم نحمل مخاوفهم، ولم نمر بآلامهم، ولم نتشكل من الطين نفسه الذي شكّلهم. الحكم على الآخر دون معرفة حقيقية هو ظلم متخفٍّ في ثوب تفوق. في الحقيقة، ليس من دورنا أن نُصنّف البشر إلى صواب وخطأ، أو إلى طبيعي وغريب. لأن “الطبيعي” نفسه ليس شيئًا ثابتًا، بل هو مرآة تعكس ما تعوّدنا عليه نحن، لا ما هو فعلاً حق أو باطل.

 

الاختلاف بين البشر ليس مصدر تهديد، بل مصدر غنى. التنوع الثقافي والإنساني هو ما يجعل هذا العالم أكثر اتساعًا وعمقًا. نحن لا نحتاج أن نُشبه بعضنا حتى نتعايش، بل نحتاج أن نحترم اختلافاتنا. لا أحد يشبه الآخر تمامًا، وهذا في حد ذاته معجزة. الإنسانية لا تُقاس بمسطرة واحدة، ولا تُفهم من زاوية واحدة. من السطح قد نبدو بعيدين، لكن من العمق، كلنا نحمل حلمًا بالسلام، بالقبول، وبأن نُعامل كما نحن دون شروط.

 

حين ننظر للآخر بفضول صادق بدلاً من إصدار الأحكام، نمنح أنفسنا فرصة أن نكون أكثر إنسانية. أن نفهم بدل أن نُهاجم، أن نقترب بدل أن نرفض، أن نستمع بدل أن نصدر الأحكام. وربما تكون جملة “لا تحكم على ثقافة غيرك بمعاييرك، لأنك لم تعش تجربتهم” من أعظم ما يمكن أن نتذكره ونحن نسير في هذا العالم المتعدد والمتغير. فهي ليست مجرد عبارة، بل دعوة للتواضع، للتفهم، وللتسامح مع ما لا نعرفه بعد. الاختلاف لا يحتاج إلى تقييم، بل إلى احتضان.

 

كلنا صح

Leave A Reply

Your email address will not be published.