الوطن يتكلم
بقلم: أحمد مختار
في صباح لا يشبه سواه، تأتي الجريدة كأنها مرآة للوطن. أوراقها لا تنطق بالحبر فقط، بل تنزف من كل سطر وجعا وأملا. من همسة طالب يشتكي قسوة الامتحان، إلى صرخة أم ودعت ابنها على طريق الموت العشوائي، إلى نظرة وزير يحلم بـ”بنك للفقراء” يمنح البسطاء فرصة للحياة الكريمة… هذا البلد لا يتوقف عن الحركة، ولا يعرف للسكون طريقا.
المدارس والدموع… و”البكالوريا” التي تنتظر المصير
هل كنا نتصور أن مادة مثل “الرياضة البحتة” يمكن أن تتحول إلى قضية رأي عام؟ لكن في بلد مثل مصر، حيث الامتحان ليس مجرد اختبار بل مصير عائلي، تصبح كل درجة قضية وطنية. جاءت شكاوى الطلاب لتوقظ مسؤولين، وتشكل لجنة، ولتكتب عبارة “نظام البكالوريا ليس إلزاميا” كنوع من التهدئة.
لكني أتساءل: لماذا يعاقب الذكاء أحيانا؟ ولماذا لا يكون التعليم تمرينا على الحياة، لا على الحفظ والمجهول؟
الطرق لا ترحم… والحياة بلا رخصة للموت
130 ألف مخالفة مرورية خلال يومين فقط؟ هذا الرقم ليس مجرد إحصاء… بل هو صفعة على وجه الضمير. كم من هؤلاء كان الهاتف بيده؟ كم منهم سلك طريقا عكسيا كأنه وحده في هذا العالم؟ ثم… كم من الأرواح دفنت تحت عجلات الغفلة؟
الأمن يحاول، والحملات لا تتوقف، لكن ماذا عن وعي المواطن؟ متى يصبح احترام الطريق جزءا من ثقافتنا لا مجرد خوف من كاميرا؟
غزة… الجرح المفتوح الذي ينام في قلوبنا
وبين سطور السياسة، تخرج غزة من كل جريدة وكأنها تنادي مصر باسمها الأول. الدم لا يزال يسيل، والدخان يغطي عيون الأطفال، ومصر – كعادتها – تحمل الوساطة وتصر على الرفض القاطع لتهجير الفلسطينيين.
مصر لا تقبل أن تكون بوابة “خروج” لفلسطين… بل تريد أن تكون جسر عودة.
دعوة القاهرة لمؤتمر دولي لإعادة الإعمار ليست مجرد مبادرة دبلوماسية، بل صرخة تقول للعالم: “لا تسكنوا الخراب… أعيدوا النبض إلى القلوب”.
الثلج الملوث والموت البارد
وإن كانت الحرب في غزة تحصد بالأقمار الصناعية، فالموت هنا قد يأتيك في كوب عصير.
تحذير من مكعبات ثلج ملوثة؟ نعم… إلى هذا الحد وصلت تفاصيل الإهمال. بين التهاب حلق ومغص طفل، هناك جريمة بيضاء لا ضوضاء فيها.
أين الرقابة؟ أين الوعي؟ أم أننا تركنا حتى الماء يدنس بلا محاسبة؟
بين البريكس والدولار… هل نعيد تعريف الاقتصاد؟
وفي البرازيل، حيث تجتمع مجموعة “البريكس”، نجد مصر تحاول تغيير قواعد اللعبة. تقول: “كفانا اعتمادا على الدولار، ولنخلق عالما ماليا جديدا”.
جميل هذا الطموح… لكنه يحتاج لاقتصاد داخلي قوي، لتعليم متين، لصحة لا تنهار بمكعب ثلج.
في النهاية… هل نستطيع أن نحلم؟
نعم، نحلم رغم كل شيء.
رغم حادث المنوفية، ورغم ضجيج امتحانات الثانوية، ورغم الغلاء، والضيق، والبرد الذي يأتي من ثلج ملوث أو من قلوب متحجرة.
نحلم لأن في كل عدد من الجريدة قصة نجاح صغيرة: ذهبية فريدة خليل، تخصيص أراض لمواطنين، أو حتى فكرة “بنك للفقراء”… حلم صغير يكبر.
هذا الوطن لا يصمت… هو يتحدث كل يوم بلغة الألم والأمل. فقط علينا أن نصغي جيدا.