ضد الفهم – أفكار عايشة في غيبوبة
بقلم: أحمد مختار
هناك أشخاص، حين تحاورهم، تشعر أنهم قد تلقوا جرعة مضادة للفهم. تتحدث إليهم فلا يسمعون، وإن سمعوا فلا يعون، وإن وعوا فلا يعترفون. كأن بينك وبينهم حجابا غير مرئي، لا يخترقه منطق، ولا تهزه حجة، ولا تفتحه كلمة صدق.
وتجد نفسك أحيانا أمام نوع آخر من البشر… لا يرفض الفهم، بل يخفيه عن عمد. يتحدثون بلغة تبدو في ظاهرها فاخرة، لكنها فارغة. كلماتهم كأنها جدران نصية مصقولة لا يمكن اختراقها. تسأل نفسك: هل المشكلة فيك، أم أن هذا الحديث صمم أصلا كي لا يفهم؟
عندما يصبح الغموض وسيلة دفاعية
بعض الناس يعتقدون أن التعقيد ذكاء، فينسجون كلماتهم كالضباب ليبهروا من حولهم. يجعلون من البساطة تهمة، ومن الوضوح ضعفا، ومن المباشرة قلة حيلة. والنتيجة؟ حديث مائع، لا يمسك المعنى، ولا يبقي على العقل مستيقظا.
أحيانا، الغموض ليس إلا غطاء للعجز. حين لا يملك المرء فكرة واضحة، يغرقك بتفاصيل لا تفضي إلى شيء، وكأنه يخفي خواءه خلف ضجيج لغوي. بل وقد يستخدم البعض غموضه كسلاح، ليشعرك بالدونية، فيقول لك: “أنت لا تفهم، لأنك لا تملك الخلفية الكافية”، بينما هو نفسه لا يفهم ما يقول، لكنه يتقن فن التمويه والاستعلاء.
في المقابل… هناك من لا يريد أن يفهم أصلا
تحادثه بحسن نية، تشرح له ببساطة، وتعيد الجملة بطرق متعددة، لكنه يضع جدارا نفسيا بينه وبينك. ليس لأنه لا يملك القدرة على الفهم، بل لأنه لا يريد أن يفهم. لأنه اختار موقعًا داخليا لا يسمح له بتغيير رأيه، حتى لو واجه الحقيقة عارية. أولئك لا يقنعون بالحجج، لأنهم لم يأتوا ليبحثوا عن الحقيقة، بل عن نصر لفظي، أو لحظة إحراج يرمون بها منطقك إلى الأرض.
كيف تتعامل مع هذا النوع من البشر
اسألهم بجرأة: “هل يمكنك قول ذلك بطريقة أبسط؟” فإن تلعثموا، فقد أسقط في أيديهم
اطلب أمثلة واقعية، لتكشف إن كانت الفكرة تعيش على الأرض أم فقط في الهواء
أعد صياغة ما يقولونه بكلماتك، وقل: “هل هذا ما تعنيه؟” إما سيصححون أو يتهربون
والأهم: لا تضيع وقتك مع من لا يملك نية الفهم، أو من يجعل من الغموض فنا دفاعيا
وأخيرا
إن الحكمة لا تحتاج إلى زخرفة. والفكرة الحقيقية لا ترتدي عباءة التمويه. كما قال أينشتاين:
“إذا لم تستطع شرح فكرتك لطفل في السادسة، فأنت نفسك لم تفهمها بعد”
فاختر دائما الوضوح، وابتعد عن أولئك الذين لا يريدون أن يفهموا… أو لا يريدونك أن تفهم.
