Nepras ELSalam News

من النيل بدأنا.. وبالنيل نستمر

68

من النيل بدأنا.. وبالنيل نستمر

بقلم: أحمد مختار

النيل.. سيرة لا تنتهي … في قلب القارة السمراء، حيث تتدفق الحياة من ينابيع الأزل، يبدأ النيل رحلته الخالدة. يحمل بين تياراته أسرار الزمان، وهمسات الأجداد، ودماء الأبطال الذين صنعوا التاريخ على ضفافه. نحن أبناء هذا النهر العظيم، ورثنا منه الصبر والحكمة، وإرادة لا تنحني.

ليس النيل مجرد ماء يجري، بل هو الأب والمعلم والرفيق. كل مدينة مصرية تنظر إليه كمرآة تعكس روحها. كل بيت فيه نافذة تطل على مجراه. إنه شعور دائم بالأمان، رباط لا ينقطع، حياة لا تنتزع.

واليوم، تقف إثيوبيا خلف جدران خرسانتها، تظن أنها تقدر على تقييد النهر. يملؤون الخزانات وهم يحسبون أنهم يملكون مصير الآخرين. لكنهم لا يدركون أن النهر الذي شهد ميلاد الحضارات لا يحبس بجدران. النيل لا يعرف الخضوع، ولا يعترف بالحدود المصطنعة.

يريدون تحويل مائه إلى ورقة مساومة، متناسين أن الماء ليس سلعة، بل هو روح تسكن وطنًا بأكمله. هل سمعتم عن أمة تتفاوض على حقها في التنفس؟ نحن لا نطلب منحة، بل نطالب بحق لا يسقط بالتقادم.

لقد ملأوا خزاناتهم، وملأنا قلوبنا إيمانًا بعدالة قضيتنا. بنوا السدود، ونحن نبني الوعي. رفعوا الجدران، ونحن نرفع رايات التاريخ. يظنون الصمت ضعفًا، ولا يعلمون أن الصبر المصري ليس غفلة، بل هو الوعي ذاته.

في كل قطرة من ماء النيل حكاية. فيها وجه فلاح يروي أرضًا ورثها عن أبيه. فيها صوت أم تخاف على أرزاق أبنائها. فيها دمعة جندي استشهد وهو يحرس هذا النهر. النيل ليس ماءً فقط، بل هو شريان الكرامة وضمير الوطن.

مصر لم تفرط في حقها ولن تفعل. اختارت المفاوضات بإرادة الأقوياء، لا باستجداء الضعفاء. جلسنا إلى طاولة الحوار بعقول صلبة وقلوب مفتوحة. نؤمن بالكلام، لكننا نعرف متى ينتهي الكلام.

لا نريد الحرب، لكننا لا نخشاها. لا نهدد، لكننا لا نخدع. لأن من يحرم شعبًا من الماء، يعلن عليه حرب وجود. ومن يعبث بالنبض، سيفاجأ بانفجار القلب كله.

تخطئ إثيوبيا إن ظنت أن السنين تنسي. تخطئ إن اعتقدت أن العالم سيغض الطرف عن عدالة واضحة كالشمس. النهر العظيم سيبقى كما كان: شاهدًا على الظلم، حاكمًا بالعدل، ناصرًا للحق.

لن نبدأ العدوان، لكننا لن نخسر المعركة. لأننا لا نقاتل من أجل ماء، بل من أجل كرامة وأجيال لم تولد بعد. لا نحمي أرضًا فقط، بل نحمي معنى الوطن كله.

من النيل بدأنا.. وبالنيل نستمر.
لأن النهر الذي صنع التاريخ لن يسمح لأحد بمحو سيرته.
والأمة التي علمت العالم كيف تخلق الحياة من الطين والنور، لن تسمح لأحد أن يسرق منها أنفاسها.

من النيل بدأنا.. وبالنيل نستمر

Leave A Reply

Your email address will not be published.