رسالة الى ابليس
بقلم: احمد مختار
ابليس، امير مملكة الوهم وصاحب العرش الخاسر، الذي بنى مملكته فوق ركام القلوب التائهة، وسكن النفوس الضعيفة، ومر من خلال الحيرة والدموع، مزينا المعصية، ملوحا بالغواية، ومتلحفا برداء النصيحة الكاذبة.
كنت تظن نفسك ذكيا، تهمس في الظلام، وتنسحب عند النور. تدفعني الى الحافة ثم تختفي حين يحين الحساب. تلبس صوتي، وتتسلل الى ضعفي، تهمس لي بان الغفلة راحة، وان الذنب لحظة عابرة، وان الله غفور رحيم… لكن بنبرة خبيثة لا تعرف معنى الرحمة. كم مرة ظننت انك الاقوى، كم مرة دفعتني للسقوط، وجعلتني اصدق ان التوبة بعيدة، وانني فريسة لا فكاك منها.
لكنني اليوم ادركت حقيقتك. انت مجرد وهم، طيف بلا قوة، وخيال لا يعيش الا في الظلام. لقد كنت من يصنع صورتك داخلي، ويمنحك الشكل والصوت والسلطة. واليوم، اراك ترتجف من كلمة، تهرب من تسبيحة، تذوب امام اية، وتنكسر بصوت استغفر الله. ما كنت سوى ظل لا يملك من امره شيئا، تحيا على غفلتي، وتموت مع يقظتي.
سقطت نعم، مرارا، واتبعتك احيانا، لكن في كل مرة كنت اعود. كنت ارجع الى الله اكثر فهما، اكثر يقينا، واكثر تواضعا. حين بكيت في السجود لم اكن ابكيك، بل كنت اطردك. كل سجدة كانت طعنة في مملكتك، وكل دعاء كان صفعة تسقط بها قناعك القديم.
لقد اصبحت اراك على حقيقتك. لم تعد تغريني وعودك. لم تعد تخيفني صورك. اصبحت اراك خادما غير مدرك، تعمل ضمن مشيئة الله، لتفرز الطاهر من المدنس، ولترفع من صدق العودة لمن ضلوا الطريق. انت لا تهزم الا بالصدق، ولا تتقوى الا حين نغفل. واليوم، لا غفلة بعد الان.
قلبي لم يعد مكانا صالحا لخطواتك. لقد طهره اليقين، واضاءه الذكر، واغلق بابه الاستغفار. لا اله الا الله تمحو اثارك، واعوذ بالله تخرجك من المشهد، وحسبي الله ونعم الوكيل ترد كيدك في نحرك. لقد انتهت صلاحياتك، جمدت حساباتك، وسقط عنك اذن الدخول.
اكتب اليك اليوم هذه الرسالة لا لتقراها، فانت لا تفهم لغة التائبين، ولا منطق العائدين. بل اكتبها تذكيرا لنفسي، ولكل من مر بما مررت به، بانك ضعيف، بانك تكبر فقط في عيون الغافلين، وانه ما من سقوط الا وفيه باب للعلو، وما من ذنب الا وفيه درس لو وعيناه.
فلتعلم يا ابليس، انني لن اكرهك، لانك لا تستحق حتى الكراهية. ساغيظك بكل تسبيحة، واقهرك بكل سجدة، واهدم عرشك بكل يا رب. لقد خسرت المعركة معي، لانني ادركت انك كنت الوهم، وان الله هو الحقيقة الوحيدة التي لا تسقط.
ان عبادي ليس لك عليهم سلطان
ومن يتق الله يجعل له مخرجا