ثلاثية العدل الإلهي
بقلم: احمد مختار
الحياة لا تسير بلا ميزان، ولا تمر الاحداث بلا قصد، ولا تنتهي الافعال بمجرد وقوعها. في قلب هذا الكون قانون خفي لكنه حاضر، دقيق لكنه شامل، صامت لكنه أقوى من كل صوت. إنه العدل الإلهي، الذي لا يخطئ، ولا يغيب، ولا يتأخر عن موعده.
قد تختلف الوجوه، وتتغير الأزمنة، وتتبدل الأماكن، لكن العدالة التي تخرج من يد الله لا تتبدل، ولا تسقط بالتقادم. لكل فعل أثر، ولكل نية حساب، ولكل لحظة سجل، وإن ظن الإنسان أنه نجا من المراقبة أو تجاوز المحاسبة، فإن الزمن كفيل بأن يعيد له كل ما قدمت يداه، خيرا كان أو شرا.
تتجلى العدالة الإلهية في ثلاث صور راسخة كأنها أركان لا تميل:
العين بالعين والسن بالسن
الجزاء من جنس العمل. من يظلم يُظلم، ومن يخدع يُخدع، ومن يقسو تُقسى عليه القلوب، ولو بعد حين. هذا ليس انتقاما، بل توازنا. الكون لا يسمح بفعل دون رد، ولا بإساءة دون أثر، ولا ببذرة دون حصاد. فإن زرعت الألم، عاد إليك من حيث لا تدري، وإن زرعت الرفق، جاءك من حيث لا تتوقع. ليس عدلا بشريا، بل عدل أعلى، يعرف كيف يرد الحقوق، ويرفع المظلوم، ويضع الظالم، في اللحظة التي يراها الأليق بالحكمة.
العادل الذي لا ينام
قد تنام القوانين، وتغفو أعين الناس، وتُنسى الدفاتر، لكن عدل الله لا يغفل. هو الذي يرى المظلوم حين يُخذل، ويرى الجريح حين لا يجد من يسمعه، ويرى من أعطى دون أن يُشكر، ومن سكت عن حقه طويلا خوفا أو أدبا. هذا العدل لا يحتاج إلى محامٍ، ولا إلى شاهد، يكفي أن تكون الحقيقة قد حدثت، ليبدأ مسارها نحوه. وحين يقرر الرد، لا يمنعه أحد، ولا يُبطئه أحد. الرد ليس دائما صاخبا، لكنه دقيق، يذهب مباشرة إلى القلب، والضمير، والموقف.
كما تدين تدان
وهي السنة التي لا تخطئ أبدا. من ساعد، يُساعد، ومن أسند، يُسند، ومن أنصف، يُنصف. ليس المقابل شرطا، ولا التوقيت مضمونا، لكنه آتٍ لا محالة. بل إن النية وحدها تسجل، وتُجزى، حتى قبل الفعل. لا تستهين بنظرة طيبة، ولا بكلمة منصفة، ولا بموقف إنساني عابر، فكل شيء يُدون. وقد تعيش غافلا عما فعلت، لكن الزمن لا يغفل، وما زرعته في دفتر الغفلة، ستراه ذات يوم، في هيئة نور، أو كرب يُرفع، أو شخص يرد لك الجميل وأنت لا تعرف كيف ولماذا.
ثلاثية العدل الإلهي ليست كلمات تكتب، بل هي حقيقة تعيش في تفاصيل الحياة. في كل مرة تنكسر فيها وأنت على حق، هناك ميزان في السماء يُعيدك. في كل مرة تُظلم فيها وتصمت، هناك عدالة تمضي إليك ولو بخطى هادئة. وفي كل مرة تحسن دون مقابل، هناك يد تكتب ما لا تراه، وتجهز لك خيرا لم يخطر لك على بال.
فلا تيأس إن طالت المعاناة، ولا تفرح إن ظننت انك أفلتّ من الحساب، لأن الحياة كلها تدور حول هذا القانون الأعظم: الحق لا يضيع، والظلم لا يدوم، والله لا ينسى.