Nepras ELSalam News

اتصال من المستقبل

28

اتصال من المستقبل

 

بقلم: أحمد مختار

في لحظة من لحظات التأمل التي لا نخطط لها، تسللت إلى قلبي رغبة عجيبة… رغبة في الرجوع إلى الوراء، لا بالزمن، بل بالروح. أن أتحدث إلى نفسي… لا تلك التي أقف أمامها في المرآة اليوم، بل ذلك الطفل الصغير الذي كنت يوما.
طفل لا يعرف عن الحياة إلا ضحكة صافية، ودمعة بريئة، وخوفا من الظلام لا تفسير له.
طفل كان يصدق أن الحياة بسيطة، وأن كل شيء سينتهي ببساطة قبلة من أمه، أو حضن من أبيه.
في ليلة شتوية، كنت أجلس وحدي في غرفتي، وأمامي هاتف قديم – ربما لا يعمل أصلا – لكن قلبي طلب مني أن أرفعه
وكأن بيني وبين العالم الآخر، بيني وبين الماضي، خيط لم ينقطع.
رفعت السماعة
وصوت صغير، ناعم، مألوف جدا، همس على الطرف الآخر:
ألو؟ مين معايا؟
صمت قليلا. الصوت هذا أعرفه… أعرفه تماما.
إنه أنا
أنا عندما كنت في السابعة من عمري.
أنا الكبير (84 سنة):
مرحبًا… يا صغيري. أنا… أنت، لكن بعد عمر طويل.
أنا الصغير (7 سنوات):
باندهاش طفولي: إزاي يعني؟ أنت أنا؟ من المستقبل؟
أنا الكبير:
آه، من المستقبل. جاي أطمنك. وأحكيلك شوية حاجات مهمة.
أنا الصغير:
كويس! طمني… هل أنا دلوقتي أطول من بابا؟
أنا الكبير:
أيوه، بقيت أطول منه. بس مش ده المهم… الأهم إنك لسه واقف على رجلك رغم كل حاجة.
أنا الصغير:
طيب… لسه بخاف من الحقن؟
أنا الكبير:
لأ، اتعلمت إن الحاجات اللي بتوجعنا أحيانا هي اللي بتقوينا. بقيت بتواجه الألم بشجاعة، وبعينك.
أنا الصغير:
هل عندي أصحاب؟ بنلعب سوا؟
أنا الكبير:
أصحابك اتغيروا… بعضهم كمل معاك الطريق، وبعضهم اختفى. بس اللي فضلوا… كنوز.
أنا الصغير:
هل بقيت غني؟ عندك عربية كبيرة؟
أنا الكبير:
أوقات كان عندي، وأوقات لأ. بس الغنى الحقيقي يا ابني مش في الفلوس… الغنى في قلبك، في ضحكتك، في إنك تنام مرتاح البال.
أنا الصغير:
بتردد: هل أنا… سعيد؟
سؤال أصابني بقشعريرة.
وقفت عنده كثيرا.
لكنه كان يستحق الصدق.
أنا الكبير:
هتعيش أيام حلوة جدا، وأيام صعبة أوي
بس هتتعلم إن السعادة مش دايما في اللي بيحصل
السعادة في طريقتك في النظر للحاجة اللي بتحصل.
أنا الصغير:
طيب… هل أنا لو كبرت، هتفضل معايا؟
أنا الكبير:
أنا فيك دايما
في ضحكتك
في خوفك
في خيالك
أنا جواك يا ابني
وكل خطوة هتمشيها، أنا فيها قبلك وباستناك بعدها.
أنا الصغير:
قولي نصيحة آخدها معايا في شنطة المدرسة.
أنا الكبير:
خد دي واحتفظ بيها:
ما تستعجلش تكبر
العب… إلعب كتير أوي
ما تسيبش الحلم، حتى لو ضحكوا عليك
اوعى تخاف تغلط… الغلط بيعلم
وما تنساش… لما تكبر، ما تكسفش تحب وتقول شكرا وتعيط وتسامح.
أنا الصغير:
أنا بحبك
أنا الكبير:
وأنا بحبك أكتر… لأنك السبب في كل حاجة حلوة وصلت ليها.
ثم
انقطع الاتصال
لكن شيء داخلي ظل متصلا
نظرت في الفراغ
فوجدت الطفل ما زال جالسا بداخلي
ينظر إلي بعينيه الواسعتين
ويقول لي
أنا فخور بيك… حتى لو انت مش دايما فخور بنفسك.
ربما لا يستطيع أحدنا أن يعود إلى الوراء
لكننا نستطيع دائما أن نمد أيدينا إلى أطفالنا الصغار بداخلنا
نطمئنهم
نحنسهم
ونخبرهم
كبرنا… بس ما نسيناكوش.
ربما أفضل ما نفعله
هو أن نحيا بطريقة تجعل الطفل الذي كناه
ينظر إلينا اليوم
ويبتسم.
اللهم اجعل ما كتبت خالصا لوجهك الكريم.

اتصال من المستقبل

Leave A Reply

Your email address will not be published.