Nepras ELSalam News

جدو يا طيب يا أبو عصايا… احكي لنا حكاية العيد!

77

جدو يا طيب يا أبو عصايا… احكي لنا حكاية العيد!

 

بقلم: أحمد مختار 

 

كان جدي ليس مجرد رجل عجوز يجلس في زاوية البيت، بل كان عيداً قائماً بذاته، يحمل بين طيات صمته فرحة تنتظر أن تتفجر كلما دقت طبول العيد. كان صوته كالنسيم العليل، وعصاه التي لا تفارق يده تتحول في أيام العيد إلى “مزمار فرح”، كأنها تذكرنا بأن الأضحى ليس لحماً ودماءً فحسب، بل هو ذكريات تروى وقربان يُذكر.

كنت أجلس عند قدميه صباح العيد، وأنا مرتدياً ثيابي الجديدة، مفتوناً بوهج السكينة في عينيه. كان يحكي دون مقدمات، وكأن حكايات العيد حية في روحه، تنتظر أول ضوء لتبدأ:

“يا ولدي، العيد لم يكن يوماً مجرد ذبيحة… كان الجيران يتهادون صحون القهوة قبل الفجر، والأطفال يجرون في الأزقة حاملين أكياس الحلوى، والنساء يزرن بعضهن حتى لو كُنّ على خلاف. كنا نذبح الخروف، لكننا كنا نذبح الكره في قلوبنا أولاً…”

كان جدي يصنع العيد أمام أعيننا بكلماته. نرى الجدات وهنَّ يفرشنَ السجد في الفناء، ونسمع تلبية الحجاج من بعيد، ونشم رائحة المسك التي تملأ البيت مع أول قطرة دم. كان يقول: “اللحم لا يصل إلى الجنة، لكن ما يصل هو دمعة اليتيم الذي أطعمته، ويد الجار الذي مسكتها، وقلبك الذي طهرته قبل أن تذبح الأضحية.”

جدي لم يكن يحب الزحام، لكنه في العيد كان يفتح باب بيته للغريب والفقير. كانت ابتسامته تشبه “هدايا العيد” التي لا تُلفّظ، وعيناه تختزان سراً يقول: “أتعلمون لماذا شرع الله الأضحية؟ كي نتذكر أن العطاء هو أعظم ذبيحة.”

ثم جاء عيدٌ لم نعد نسمع فيه ضحكته مع أذان الفجر، ولا نرى ظلَّ عصاه يرسم خطواته في ساحة البيت. لكن العيد لم يمت معه. مازلنا نضع فنجان قهوته على المائدة، ونترك الباب مفتوحاً كما لو أنه ذهب ليوزع اللحم على الجيران وسيعود.

الآن، عندما يجتمع الأولاد حول مائدة العيد، أغمض عيني وأسمع صوته يهمس: “لا تنسوا أن العيد يبدأ ب السلام، وينتهي ب الغفران، وأجمل ذبيحة هي أن تذبح أنانيتك وتوزع لحم حبك على من لا يستحق.”

هكذا كان جدي في العيد… وهكذا علمنا أن الفرح الحقيقي هو أن تذبح قلبك قبل خروفك، وأن تروي حكاياتك كما تروي دماء الأضحية: بقداسة، وبحب لا ينقطع.

كل عام وجدونا جميعاً حيثما كانوا… يضحكون لنا من وراء الغيب، ويُذكّروننا بأن العيد ليس لمن لبس الجديد، بل لمن جدد قلبه!

كل عام وأنتم بخير، وعيد أضحى مبارك!

جدو يا طيب يا أبو عصايا... احكي لنا حكاية العيد!

Leave A Reply

Your email address will not be published.