براءة الحضارة المصرية من مسمى الفرعونية
بقلم المستشار: عبدالكريم مقلد
براءة الحضارة المصرية من مسمى الفرعونية
فإن الحق سبحانه عرف الحاكم في مصر في سورة يوسف ” بالملك ” في خمسة مواطن تعريفا نافيا لجهالة الملك فيه ويرادف في الذكر مواطن ذكر مصر الخمسة ، وفي ذلك دلالة على ان حكام مصر لم يكونوا ينعتوا باسم ” فرعون ” وإلا لوصف بذات الوصف الوارد في قصص سيدنا موسى عليه السلام
، والملاحظ أن فرعون لم يأتي له ذكر معرف بأداة التعريف حتى نقول ان فرعون نعت او صفة فلم يقال ” الفرعون ”
ومن الملاحظ أن كل مخاطب بأداة النداء ” يا أيها ” وأيها هي اداة تنبيه يتبعها مخصوص في الوصف بصفة شخصية أو نوعية ، يا أيها الناس ، يا أيها الذين آمنوا ، يا أيها النمل ، يا أيها العزيز …… ولم تأتي مخاطبة فيها تعظيم على لسان القوم لفرعون فلم يقال ” يا أيها الفرعون ” لذلك فالمقاربة في ان فرعون اسم لشخص ، لذلك خوطب باسمه وليس مقتضى صفته بأداة النداء ” يا ” والتي تلازم الاسماء وذلك في قوله تعالى [ وَقَالَ مُوسَىٰ يَٰفِرۡعَوۡنُ إِنِّي رَسُولٞ مِّن رَّبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ (104) ] سورة الأعرَاف .
وقوله تعالى [ قَالَ لَقَدۡ عَلِمۡتَ مَآ أَنزَلَ هَٰٓؤُلَآءِ إِلَّا رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ بَصَآئِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَٰفِرۡعَوۡنُ مَثۡبُورٗا (102) ] سورة الإسرَاء .
فضلا على أن لو كان تعريف الحاكم باسم فرعون لما كان هناك تمايز في توصيف طبيعة الحكم في قصص الخضر عليه السلام في قوله تعالى [ أَمَّا ٱلسَّفِينَةُ فَكَانَتۡ لِمَسَٰكِينَ يَعۡمَلُونَ فِي ٱلۡبَحۡرِ فَأَرَدتُّ أَنۡ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَآءَهُم مَّلِكٞ يَأۡخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصۡبٗا (79) ] سورة الكهف ، وقد كانت قصصه بسيناء مصر في وقت لاحق على خروج سيدنا موسى عليه السلام وبني إسرائيل بمعجزة العبور البحري وغرق فرعون وجنده .
كما أن فرعون أحقر عند الله من أن يوصف بنعت فيه عظمة الحكم والملك ، وقد قال الحق سبحانه فيه [ وَأَتۡبَعۡنَٰهُمۡ فِي هَٰذِهِ ٱلدُّنۡيَا لَعۡنَةٗۖ وَيَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ هُم مِّنَ ٱلۡمَقۡبُوحِينَ (42) ] سورة القَصَص .
فلعنة الفراعنة هي لعنة الانتساب إليه فلا يصح مسمى الحضارة الفرعونية بل نقول الحضارة المصرية ، فقد عطف الحق سبحانه ذكر مصر على النبوة الكريمة مع سيدنا يوسف عليه السلام في آيتين ومع سيدنا موسى عليه السلام في آيتين ، فكيف نغلب نسبتها الفرعونية مع فرعون على نسبتها النبوية الكريمة فكان ذكر فرعون كعسر بين يسرين ، فأنبياء الله أولى بمصر بالسبب والنسب النبوي وقد قال صلى الله عليه وسلم استوصوا بأهلها خيرا فإن لكم فيها نسبا وصهرا ، وكان من مصر من الازواج والأمهات واولوا الارحام ذات الوصف الإيماني ما لا يليق بتغليب النسب الفرعوني ، فلنا فيها من أمهات الإيمان السيدة هاجر عليها السلام وأم سيدنا موسى وهارون عليهما السلام والسيدة آسية بنت مزاحم عليها السلام ووفادة السيدة مريم عليها السلام والسيدة مارية القبطية عليها السلام ولنا فيها وفادة أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى رأسهم السيدة زينب بنت سيدنا على رضي الله عنهما وكوكبة من اشراف أهل البيت الكرام .
ففي نسبة مصر لفرعون بكاء وشجن بالنص والدليل القرآني ، فقد قال الحق سبحانه في وجدان أرض مصر لما غرق فرعون وجنده قوله تعالى [ كَذَٰلِكَۖ وَأَوۡرَثۡنَٰهَا قَوۡمًا ءَاخَرِينَ (28) فَمَا بَكَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلسَّمَآءُ وَٱلۡأَرۡضُ وَمَا كَانُواْ مُنظَرِينَ (29) وَلَقَدۡ نَجَّيۡنَا بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ مِنَ ٱلۡعَذَابِ ٱلۡمُهِينِ (30) مِن فِرۡعَوۡنَۚ إِنَّهُۥ كَانَ عَالِيٗا مِّنَ ٱلۡمُسۡرِفِينَ (31) ] سورة الدُّخان
فما بالنا وقد نسبناها إليه ، واعليناه بذكره الملعون المقبوح ، بقولنا الحضارة الفرعونية ، فكأننا نقول بهذه النسبة ، الحضارة الملعونة بما نعت به فرعون ، وقد لعنة الحق سبحانه إلى يوم الدين وقبحه في العذاب ، فما كان له بكاء كان له بسمة ، إن قطعنا وريد الشجن عنها ، وأعدنا لها نور روحها ، وصححها نسبها واسمها ، فلا يقال عنها إلا الحضارة المصرية النبوية السماوية.
Comments are closed.